تـلعة شــْبـيـح - 

الأمير عادل بن حمود بن حسن بن يونس بن فخر الدين بن حيدر بن سليمان بن يحيى بن مذحج بن محمد بن أحمد بن خليل بن مفرج بن يحيى الذي يعود إلى الأمير عون بن نعمان المنذري اللخمي الذي يتصل نسبه إلى الملك المنذر بن ماء السماء اللخمي ملك الحيرة . و عون اشترك مع خالد بن الوليد في فتوح الشام
وكان أول من استشهد في معركة أجنادين سنة 12 هـ . و لخم : حي من اليمن يعود إلى كهلان بن سبأ .
ولد سنة 1887م في الشويفات قرب بيروت و توفي عام 1954م في المصيطبة في بيروت ، و دفن إلى جانب أخيه الأمير شكيب في مقبرة الأمراء الأرسلانيين في الشويفات ، و هو رابع ثلاثة إخوة : نسيب ، شكيب ، حسن .
شارك في الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925م – 1927م و كان الزعيم الثاني فيها . و ارتحل مع رفاقه المجاهدين إلى الأزرق في الأردن ثم إلى النبك من وادي السرحان بالسعودية و بقي هناك لغاية 1929م
نعت بأمير السيف و القلم لما أبداه من بسالة في الحرب و لما قال من أشعار في الثورة .
تقلد عدة مناصب في حياته من عضو في مجلس المبعوثان إلى مستشار للملك فيصل ثم مستشار للأمير عبد الله ثم عدة وزارات في الحكومات الوطنية و مثل سورية في الأمم المتحدة ثم عمل وزيراً مفوضاً لسورية في أنقرة .
كان شاعراً وناثرا ً وثائراً و خطيباً و دبلوماسياً , و مات عزباً دون عقب .
لم تنشر قصائده أو تجمع في ديوان . ولقد جمعت هه القصائد والمقطوعات من مصادر ومراجع مختلفة , فبعضها من مذكراته أو من بعض الصحف والكتب , وبعضها الآخر من أفواه حَفَظَتِها , وقد وجدت بعضا ً منها غير كامل في الكتب فاستوفيته من الناس , ومعظمهم ممن قد كتبوها أو حفظوها عن آبائهم .
وأعتقد أن معظم هذه القصائد قد تكون غير كاملة , وربما طرأ تقديم أو تأخير على بعض أبياتها فجاءت في غير المكان الذي وضعها فيه الشاعر .وقد وضعتها حسب تسلسلها الزمني , ووضعت عنوانا ً لكل منها .
وهذه القصائد والمقطوعات نجد فيها من شعر الغزل والرثاء والوصف والحماسة والمساجلات. وقد قال خير الدين الزركلي : له شعر جيد , حلو المعاني , رفيع الأسلوب , جدير بأن يجمع في ديوان .
و شعر الأمير عادل كالأزاهير المتفتحة على أغصان من الفولاذ ، شعر يشمخ بالنفس و نفس تشمخ بالشعر، شعر بطولة و بطولة شعر . و كيف تكون بطولة الشعر .. ؟! أن تقول ما تريد و كيفما تريد . و عندما يقترن القول بالفعل ، سيف الحرف بحرف السيف ، أي عند امتزاج الكلام بالحديد ، فذلك هو القول الفصل .
لعله كان يسخر من برومثيوس ليلة أشعل شمعة برصاص بندقيته في عجاج الزمن الظلامي و راح يذرع جراح الوطن و يرافق القمم
و حين غابت السماء شهر سيفه في جبل حوران الذي ظل ينزف ناراً مدة سنتين إلى أن أُخمد بنزيف الدماء ، فانتقل إلى الضفة الأخرى من الموت ، إلى الرمال التي طوّف فيها حتى ( الأزرق ) ثم (وادي السرحان ) ونفذ إلى ( النفوذ ) تلك الصحراء التي ترعب الجان ، حيث لا ينتصب فيها سوى خمس نخلات نبتن كأصابع كف لميت منذ ألوف السنين يمدها من تحت الرمال عند ( عين جوخة ) كشاهدة قبر تدل على رفات تلك الصحراء إذ وقف هناك و قال شعراً من الروائع بعد أن صرع الغول بسيفه البتار ، وكان هو أمضى من سيفه ، فتقلد إمارة السيف و القلم ، وترك لبرومثيوس إمارة النار .
في شعره سفر إلى أرض النجوم و سماء البحيرات و الأنهار , إلى وطن الريح و مضارب الوبر ، وقد رعشت يداه بخط عربي ربما يتناسل على أوراق طيارة ، يلاحق خيال السنابل عبر أمواج الحقول المحمولة على السحب ، يعمل على تفتيح أزرار الورد ويسل العطر من عيون الياسمين . لقد نسج عباءة من تراب الوطن و رسم حدوده بالنجوم ، و صاغ تاجاً من سماء العروبة .
إنه يتخلل الصوت و يمزج الأنغام و الأنوار ليأخذك على جناح لا يراه الليل إلى حيث حدائق الشمس و شلالات الضياء فإذا أنت في كرنفال لا تراه إلا إذا كنت مغمض العينين بين أروقة المعاني و أعمدة البيان حيث تتلاقح الحروف المتنافرة أو تتماوج في معترك العناق اللغوي و عقد الكلام . إذ تجد نفسك مفتوناً في رقص لا تقدر عليه .
لم يكن شعره مترفاً في الغالب ، بل كان واقعياً يدل على المعاناة , و يطالب بالحرية و يدعو إلى الثورة و نبذ الظلم , و ينزع إلى العدالة و المثل العليا .
لكننا نلاحظ – رغم جزالة هذا الشعر وبراعة الاشتقاق – استخدامه بعض الألفاظ العامية مثل : تلعات , خيطان , أعارب , مفاقيع . أو مفردات أعجمية مثل : ديناميت , تانري أولودر , أو غير ذلك ... ما قد يشكل نشازا ً في الشعر .
في كل قصيدة يُخرج خبيئةً من خبايا نفسه أو وطنه أو زمنه . جملة تكشف حسرة و حرفاً يفتق سراً . و في تصويره كان يغمس ريشته بدماء قلبه ، و ينحت تماثيل رخامية قد سال على جنباتها دم من أصابعه التي جرحها الإزميل ، مضمخة ببقايا دموع لترسم وجوهاً لا يفارقها الابتسام ، تسبّح بعظمة الطين و رائحة الحجر على ألحان و موسيقا كانت تنساح أحياناً و تعصف أحياناً أخرى . لعله يكتب بعفوية واعية ، لا بطريقة التداعي ، و ذلك ما يؤكد الصناعة و لكنها صناعة مستترة ببراعة مما يدل على شاعرية فذة ، فكانت قصائده ، معظم الأحيان ، متدفقة تفيض بالدلالات و الإيماءات الموحية .
لم يشعرنا أنه كان في مكانه يوماً ، و أحياناً نراه يعاتب التاريخ و يتمنى أن ترتد إليه خيوله ، وينفض الكفن عن مجد غبر . نحسه في حيرة ربما تعود به إلى الحيرة .
يمد إليك يداً في العلن من خلال ستار المخمل الأبجدي على مرأى من إبر العُلَّيق و يرى المظلوم رشأ يطارده القُنّاص على ظمأ و يتلذذون بترويعه .
إنه أخو حرب و أخو خطر و أخو سلام و أخو كلام . يستبسل نهار المعركة و يبكي إذا غاب القمر أو اعتراه الخسوف . كأنه وُجِدَ في قلق هو ارتجاج الخافقين ،كأنه بحر لا يعرف السكون .
لذا نراه يحلق في رحلة المخيلة إلى المستويات العلى طائراً لا يهدأ ، لكننا نلمح قامته من وراء كل قصيدة ، يحث الصبح حيث لجة الظلام ، و يوقظ الزهر حيث الشيح و الحنظل ، و يسترق سمع الوحي حيث يتعالى فحيح الأفاعي و عواء الذئاب ، و في الليلة المقمرة يمد يده ليقتطف النجوم . و في ذلك كله أو بعضه كان ينشد نشيد الجمال .
قدمه بعضهم على إخوته لأسباب عديدة ... وهذه قصيدة لأحد الشعراء بعنوان : فتى الأوطان , قالها مادحا ً الأمير عالا ً وإخوته :

كفـاكَ أنَّ فتى الأوطانِ عادِلَها
إذا انقضى السيف قال السيفُ أنتَ أبي
يغشى المعاركَ طلقَ الوجهِ يحسبه
حماتـُها من صليـلِ البيضِ في طربِ
إذا تكشَّفَ عنهُ النقعُ لاحَ لـهمْ
كالبـدرِ ينجابُ عنه قـاتمُ السُّحُبِ
كفــاكَ أنَّ شكيباً في مـآثرهِ
تـرى مـتى يَدْعُهُ داعي العُلى يجبِ
ملءُ الزمانِ و ملءُ الأرضِ هِمَّتُهُ
وما يصـوغ حجاهُ حِلْْيَةَ الكتـبِ
لو حَنَّ مـاضٍ إلى مستأخرٍ بطلٍ
لعادَ يبغي شــكيباً سالفُ الحِقَبِ
كفاكَ أنَّ نسيباً كان قطبَ نُهىً
حوى الخلاصةَ من فضلٍ و من أدبِ
حَيٌّ بذكراهُ في الدنيـا و أنَّ له
في جنةِ الخلدِ حـظَّ الفاضلِ الأرِبِ
=================بالتعاون مع الصديق الأستاذ الصحفي أكرم برجس المغوش======================