الشاعر غانم العيسمي

المرحوم الشاعر غانم العيسمي
مما ورد في مقدمة ديوانه المطبوع (( أشفار وأغماد ))

ولد غانم سنة 1949 في قرية امتان , الواقعة على السفح الجنوبي لجبل العرب . في أسرةٍ كان للرعيل الأول منها دور فعال في الثورة الوطنية , ولآخرين من الرعيل التالي مساهمات مرموقة في العمل القومي .
نشأ في بيت فلاحي كادح . يساعد أهله في الأعمال الزراعية بعد أن يفرغ من الدوام والواجبات المدرسية .
وكان كغيره من أبناء الريف , يشارك في انتزاع عيش الكفاف من أثداء الصخر .
حصل على أهلية التعليم الابتدائي في دار معلمي السويداء سنة 1967 ومارس المهنة , فكان مربياً جاداً مخلصاً , ومواطناً رصيناً , ذا حساسية عالية في كل ما يخص القضايا الوطنية والقومية , كما كان رجل منتديات له حضور متميز .
قرأ القرآن الكريم , والأدب العربي القديم , وتوقف عند أعلامه ولا سيما المتنبي , ليحفظ شعره , ويرى فيه اشعر من أقلت الغبراء .
سحابة صيف أقامت قليلاً , ثم ارتحلت ...
كذا كان الشاعر وبعض من تناولهم في شعره ...
لكن من سحبه ما أبرق وأرعد , أضاء الأرض وزلزلها , وزخ مطراً وطنياً غزيراً , اغرق البلاد عروبة ... بطولة وإباء ...تضحية وفداء , أو رقة وجمالاً قبل أن ينطفئ :
القائدان جمال عبد الناصر وسلطان الأطرش , والشهداء زيد العيسمي أخو الشاعر ,وغالب العيسمي ابن عمه , وشامل المصفي ابن قريته , ومثلهم سائر شهداء الوطن, نوّه بذكرهم , باعتبارهم قضوا وهم يدافعون عن ترابه .. عن الحرية والكرامة والأرض والعرض . وتظل ابنته الطفلة , نوارة البيت المعنـّى ( ربا ) أكثر من ترك حرقة في القلب .
كما حيّا الواقفين في الخندق التالي : أطفال الحجارة , ورجال المقاومة , في فلسطين ولبنان وسيناء والجولان والعراق , وأنى كانوا فوق الأرض العربية ,وكان لمعلمي الأجيال من ثنائه نصيب . ومن جهةٍ أخرى صب في أشعاره غضبه على المتخاذلين من العرب ,بدءاً من الحكام ومروراً بكل الانفصاليين والعملاء , والسائرين في ركاب الأعداء , وصولاً إلى اللاهثين وراء سراب السلام , سلام الإذلال الذي تلوّح به الولايات المتحدة وإسرائيل , مؤكداً أن السلام المشرف , يحتاج إلى التدرع بالقوة وخوض المعارك ممن يحسب لهم الف حساب .
وما برح يذكر بالأمجاد العربية محرضاً على الثأر ... عسى أن تنفع الذكرى , لكن صيحاته ضاعت في وديان سحيقة , وبوادٍ مترامية الأطراف , في بلادٍ ضيّع حكامها المستبدون حريات مواطنيها , وخبزهم , وكثيراً من ارضهم .
أفكار وشواهد :
دعا القائمين على الأمر لإقامة الوحدة العربية , فبالوحدة تشرق شمس الحرية والتقدم :

أخا العروبة فجّر شمسَ وحدتنا ... ومزق الليل والأحلاك والظلما

كما رأى أن تحقيق الأهداف يلزمه تضحية . وان الحرية تؤخذ في ميادين القتال وأنه أن يختار العرب درب الشهادة حتى يحققوا اهدافهم السامية :

وإذا تعاظمت الخطوبُ بأمةٍ ... دربَ الشهادة كيف لا تختارُ
من قال إن الفتح يؤخذ مِنـّة ً ... من قال قد تسخو به الأقدار ُ

ورأى أن الضعفاء لا يمكنهم أن يحصلوا على سلام عادل فالسلام ينتزع ايضاً بالقوة والفداء :

فالسلم تبعثه الصوارم والقنا ... أبداً ويُكتب بالدم المهراق ِ

وندّد بالحكام العرب , وقد خذلوا أمتهم , وتفرق صفوفهم وتناحرهم :

نادتهـم القدس بل بُحـّت هواتـفها ... مل النداء وكـــلٌّ يشتكي الصمما
يــا للصــفاقـــة والأرزاءُ محدقة ٌ... تلقى التناحر والشـــحناء والتهما
يــا بؤســها أمّة باعت صوارمها ... وأجّــرت للبغاثِ الحِـلّ والحرما
بات العرق رهين المحبسين معاً ... والنخل يطرح فوق الرافدين دما

وظل أمله معقوداً على المقاومة وعلى أطفال الحجارة :

حيّ الميامين أبطال الحجارة هم ... شم العرانين في إقدامهم صُبُر
من كـــان مثـلهمُ لا يرتجي قدراً ... لــكنكم ولــعمري أنــتم الـقدرُ

وذم ما أسموه (العالم الجديد) , فهو يرى أن هذا المصطلح لا يقصد من ورائه سوى بسط الهيمنة الأمريكية على الشعوب ,وسلوك طرق القرصنة وتسخير المؤسسات الدولية ولا سيما مجلس الأمن في سبيل تحقيق ذلك . زد أنهم باتوا يسمون نضال الشعوب في سبيل حريتها إرهاباً :

بئس الجديد وما اسموه من زمنٍ ... من عــالم ٍ سنّ شرع الغاب عنوانا
نيــطت مقــاليده الجلـّى بمنفــلتٍ ... قد أوسع الأرض والصقاع طغيانا
شـــاء التســلط منهاجــاً ومنطلقاً ... وصـــيّر الذود إرهابـــاً وعصيانا

كما ندّد بهذا المجلس المغلوب على امره , فهو يضع الأمور في غير نصابها , فيحاسب المعتدى عليهم لضعفهم ولا يقوى على محاسبة المعتدين :
تلقى الحدودُ على من لا سلاح له ... ويُترك المعتدى الباغي بما أثما
ورأى أن المدارس حصون يلوذ بعلمها الوطن وان للقلم أثراً لا يقل عن اثر السيف :

يـــا معهــــداً باتـــت ركائزه ... بــــاكــــورة ً للعــلم والأدبِ
ما استـُمتطرت أنداؤه فـَهَمت ... إلا غـــدت كــالوابل السكِبِ
ما سُــــلّ فــــي مكروهةٍ قلمٌ ... إلا انبرى كالصارم الغضِبِ
حصــنٌ تأشـّبَ حوله وطــنٌ ... من لم يذد في حصنه الأشبِ

ولم ينس المعلم فهو صانع التاريخ وهو الكادح ذو الحقوق المنسية :

يا صانع التاريخ معذرةً ... إن ينسَك التاريخ في الحقب ِ
يـــا كادحاً في كـدّه أبداً ... ما نال غير شـــوائلَ الحلـَب ِ

وهكذا فقد طغت الحماسيات القومية في شعره , إلى جانب قليل من الرثاء الذي يتخذ طابعاً قومياً أيضاً , والوصف الرومانسي , وقلما التفت إلى الغزل والأغراض الأخرى .

مذهبه الشعري :

التزم شاعرنا الإتباعية مطالعةً ونظما , ورأى في اعلام شعراء العصور العربية الزاهية مثله الأعلى , وادار ظهره لشعر الحداثيين تماماً , فشعر التفعيلة في نظره بدعة لا طائل تحتها . وكان يلقي شعره بطقسية مغرقة في الجدية , تنتزع اهتمامك , حتى لا تجد مفراً من أن تقول : هذا شاعر من عكاظ .
وتراه في قصائده يجنح للخطابية والمباشرة , وسائر أساليب القدامى , فهو يحتفي بديباجتهم , وينسج على منوالهم , ويستحضر لغةً من بطون المعاجم , غير مكترثٍ بموقعها من العصر كما لا تفارقه الخطابية في مفردات عصور السيف والرمح والخيل العراب .

خذها نزاريــة عربـــاء ما عرفت ... طعم الهوان ولا قد شابها السأمُ
تحدو الصواعق في حيفا مدمدمةٌ ... فيعتري اللد منها الخوف والسقمُ

كما ترى أسماء القبائل العربية حاضرة في شعره الحماسي , يذكر بذهل وشيبان , ويلوح بمعد ومضر ونزار وتغلب الغلباء , ولا يغادر صور القدامى على قلة تهويمه في عالم الخيال والأحلام .
وتراه يكنـّي عن مركز القرار الأمريكي مقدماً الصفة على الموصوف فيقول : ( الأسود البيت ) مكرراً هذه الكناية بأشكال أخرى مثل : ( أسود البيت , بيت السواد ).
وغذا كان لكل شاعر ميزة يختص بها فشاعرنا يرى أن اللغة طوع بنانه له كل الحق أن يتصرف بها كما يشاء , فقد يستعمل مشتقات لم تنتشر عند غيره كلفظة (مئراجة ):

أطلعت والأنسام عاطرةُ ... مئراجةٌ بنوافج الكتبِ
أو مذعارة :
يا رُبّ مذعارةٍ دهياء قد شهدت ... تلك الهضاب وذاك السهلُ والجبل
...................
لقد كان شاعرنا مخلصاً لأهداف أمته وقيمها , يعالج مواضيع جديدة بأساليب قديمة . فهو باختصار شاعر يمكن إلحاقه بالأولين .
(( توفي المرحوم غانم العيسمي في 21/4/2007م ))