ياسر الشمعة في محكمة التلعة

( تساقينا صلاة الود )

الأخوة الكرام : لقد جاء أكثر من طلب في الرسائل الخاصة من قبل الأخوة أعضاء المنتدى يطالبون من خلاله بوضع قصيدة للشاعر الأخ ياسر الشمعة في محكمة القصيد , وتلبية ً للرغبة وبعد خاطر أبو عمار فقد اخترت لكم قصيدته التي قدّمها في مسابقة شاعر منتدى الجبل لعام 2010 م والحاصلة على المرتبة الثانية في المسابقة المذكورة , وأشير هنا أن لجنة التحكيم في ذلك الوقت , ارتفع منها صوت يطالب بإعطاء المرتبة الأولى لقصيدة ياسر , وذلك أنها أخذت ذات العلامة مع القصيدة الأولى للشاعر سند ركاب والواردة في منتداكم هذا وهي بعنوان (( ظنيت قلبي )) .... والآن .. ماذا سيكون نصيب قصيدة الشمعة من التحكيم في تلعة شبيح ؟ أضع القصيدة بين أيديكم :

تِســـاقــينا صــلاة الود فينا ولـو بغـــينا نقول
كـــأن الكــون ينظـرنا وَلا بــه عــين نظـّـاره

أنا بكتم ولا بكتم على عرض العمر والــطول
ولـــي من لهفتـــه مُرّين من نفسي ومـن ناره

تراني فيك لو داريت قـلـــبي من وَلـَهْ مجبول
تخمّني نكرْت الود ؟! انـا ناســـــه وانــا داره

حبيبي خلني أشكي ترى المعقول مش معقول
حكايتنا غزلهــا الريح وبــاب اللوم واخبـاره

هوانـــا كلمةٍ تحتـــار قلناها بعيـن الــــــغـول
وقـفنا والعمر يمشـــي ولفانــا الشيب بنهـاره

على الترحال شدّينا وسفرنا غبّة المجــــهـول
وقطعنا من شراع الموج شط الناس وابحاره

ودفناها بقلب الشوق غصّة تكــــسر المقـفول
وغفينا عـا حلم , نرجـع لـذاك الحي والحارة

أبد ما تحرز العبرات نسـْـــــدِيها بذات النول
سراب يـبيحنا نضما وبـيـنا الكاس و اسراره

وضمّك طيف يرميــني وأنا قاتل وأنا مقتول
وختمها كلمةٍ مشتاق قض الروح واســواره
.
ياسر الشمعة / حوط

بين أيدينا قصيدة عذبة , رسمها شاعرها لوحة ً من خليط الطبيعة ... الطبيعة الإنسانية العاشقة , والتي تأخذ منحى الوجد في الشرق العربي الذي لم يزل في معظمهِ بـِكـْراً .
وأقولُ بكراً , لأن ما نراه على شاشات الحضارة المزيفة , يخدشُ بل ويجرح , وهو واقعٌ بشعٌ
نبحث بين أسطره عن شيءٍ من العفوية والعذرية , عن شيءٍ ما زالَ يقارعُ أمواجَ الصخبِ , بصمتِ الملائكة ......... فلله دَرّك يا شاعر الحرف العذري البـِكـْر .

لهذه القصيدة ذكرى جميلة عندي , حيث عشت معها ما يقارب الشهرين إبّانَ صدورها لنا , وقد أغرقتُ فيها ورفاقي , أمام روعةٍ و (هدوءٍ عاصف ) , ترجمَ لنا ماهية العشق الحزين المتحدّي .

أمّا بعد :
دخل الشاعرُ موضوعَه دخولَ الحذرِ المُرهَق ِ الذي يصوّر الأشياء كما يريد لها أن تكون , وذلك أن (الكون ) يراقب العاشق , والعاشقُ لا يعترفُ له حتى بعينيه الناظرة والمحدّقة . وأريد أن أقول هنا مع قراءة البيت الأوّل أننا فسّرنا (( صلاة الود )) على أنها الصلاة في معناها المعروف دينياً , ولكن قال لي ياسر فيما بعد أنه يقصد بــ (( الصلاة )) : معنى النيران الصالية , وبذلك هو يستعير لهذه النار صفة الاستسقاء , نعم هي ماءُ الود الممزوج بماهج البراكين , عندما يتساقاها العاشقين , وبذلك أجزلَ شاعرنا في تجديد المعنى والتلاعب عليه بحرفة .
في البيت الثاني والثالث : يشير الشاعر إلى السرّ الذي يشحن فحوى الجملة الشعرية الواضحة أمامنا (( بكتم , ولا بكتم )) , (( مُرّين من نفسي .. )) , (( داريت )) , ((تخمّني )) . وهذا حذرٌ آخر في سياق الأبيات , حذرٌ يجبل خافقه بالوله الكبير , ورغم هذا الوله فالمحبوب يكادُ يظن أن حبيبه ينكر مودته , ولكن الشاعر يعطيه تقريراً صريحاً بردّه الواضح : (( أنا ناسه أنا داره )) , ليُطلق بعدها عنان القصيدة ....

نعم , تنطلق القصيدة في مضمار الصراحة و المكشوف الذي يريده الشاعر (( الآن )) بعيداً عن السر المخفي , (( خلني أشكي )) , ((حكايتنا غزلهــا الريح وبــاب اللوم واخبـاره )) , ((قلناها بعيـن الــــــغـول )) , (( قطعنا شط الناس )) , (( تكسر المقفول )) ... كل هذه العبارات هي عبارات للتحدّي المُطعّم بالريبة : (( باب اللوم )) , ((كلمةٍ تحتار)) ,(( لفانا الشيب )) , (( غبة المجهول )) , (( دفناها ...)) , ((غصة .. )) ... هل يريد الشاعر معاقرة الهروب أمام هذا الواقع إلى الذكريات الأفضل والأقدم ؟؟
هو كذلك ... نعم لقد جاء الشطر الذي يصرّح بذلك (( وغفينا عـا حلم , نرجـع لـذاك الحي والحارة )) إنما هذا الهروب ليس سلبياً بالمعنى الذي يساورنا , فقد جاء بُعيدَ التحدّي والكلمة التي قيلت بعين الغول , عين المستحيل , جاء بُعيدَ الرحلة المتحدية والشيب والوقوف في صميم المسير البشري الذي يراقب خلجات الأحباب ...
هنا تنتهي دفقة القصيدة بما يريد الشاعر , وما يأتي بعدها , زخرفة ترتكز على بداية القصيدة وتؤكد ما جاء فيها كلها , ولكن بحرفةٍ رائعة وكما أكـّد صديقي مروان هي المعنى الأجمل ((أبد ما تحرز العبرات نسـْـــــدِيها بذات النول )) ...
وثمّة خروجٌ غامض , لدخول ٍ صريح :
((وضمّك طيف يرميــني وأنا قاتل وأنا مقتول
وختمها كلمةٍ مشتاق قض الروح واســواره ))

كيف يقض الشاعر صروح روحه في نهاية المطاف وهو الذي ضمّ حبيبه كنهايةٍ سعيدة إذا جاز تعبيري هنا ؟؟؟؟!!! ولا نجيز له أن الطيف رماه , فهذه الرمية مطلوبة لدى العاشق وهي تحييه ولا تقوّض أركان روحه . إذ أنه يصرّح باقتحامه هول العشق (( أنا قاتل وأنا مقتول )) واستذكر هنا الشاعر المتنبي عندما قال :

(( وأنا الذي اجتلبَ المنيّة َ طرْفـُهُ ... فمن المطالبُ والقتيلُ القاتلُ ))

هذا ما دار في خلدي أمام هذه الرائعة , ولي تعليق بسيط حول مفردة (( مش معقول )) من ناحية اللهجة التي نسج عليها الشاعر قصيدته فحبذا لو استبدلها بــ (( لا معقول )) على حسب ما أرى .
أحيي الشاعر والقصيدة وأعتذر لهذا الفضول ...