بعضا ً من بوح مغترب للشاعر وليد الحسنية تحت الأضواء

تحية طيبة لشاعرنا الجميل أبو خالد , والذي يقدّم لنا هذه التحفة الفنية الجميلة , بطاقة وردٍ لاشك أن الغربة أتت على معظم أوراقها , إنما هي الورد الذي مازال يضوع أريجاً ...
يستوحي الشاعر مطلع قصيدته من قصيدة بدوية رشيدية يقول مطلعها :
قالوا تسيّر قلت ما من فضا بال ... وقتٍ على المخلوق ما به وناسه
ويغوص في لب المعنى ليصوّر لنا ميزاناً واضحاً يرجّح كفة الرفاق والأهل في مسقط الرأس على كفة الاغتراب التي أثقلت كاهله بمواجد البعد والحنين .. ثم يطعّم قصيدته بشيءٍ من الغزل هذا المنحى الذي يحاول أن يستقلّ عنه معتذراً ولم يزل يغزوه غزو الخوارد الشوارد ....
تمر معنا في القصيدة لمسة الحكيم المجرّب المتألم التي مررّها الشاعر بفكرةٍ لم تبارح أبياتاً أربع , وهي المعنى الوارد في شعر المتنبي العظيم :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله .... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم ُ
وتجتمع في القصيدة رموز الشكوى والنجوى والرؤية المشحونة بالشوق ....
لشاعرنا في لغة القصيدة نكهة البداوة المفعمة بالتشديد الذي يفيد التصغير والمبالغة في آنٍ واحد والموشّاة بامتدادات اللفظة البدوية ,
ففي الأولى نجد : (( شحّاب , فرّاج , عبّاد , الحويّر )
وفي الثانية نجد : (( والا هوايَ , ضاقه , قليبيَ احراقه , عليَّ اوثاقه )) وهي مفردات تنحى في بداوة (( لهج القصيد )) وتــُقرأ موصولة ً مع ما بعدها في معظم مواقعها ....
القافيتين في القصيدة رائعتين وأنا من عشاق هذا النغم الجميل الذي يأخذ السامع في جوٍّ من التباين عند امتداد الصوت في نهاية الشطرين (( مغلول .... طاقة )) وهنا تجد أن امتداد قافية الصدر لها نفسٌ طويل ومريح بفضل هذه الواو اللطيفة والمعقوبة باللام الساكنة , بينما امتداد قافية العجز احتاج حرفين بعده فكان أقصر نـَفـَساً وكأنه يستوحي وقفة المجزوم ..
أود أن استوقف شاعرنا عند الأبيات التي (( شدّ بها القول )) ــ وهذه استعارة جميلة ــ

من بعد ذا شدّيت من زاهي القول.....يم الذي صعبٍ علينا فراقه
ذاك الحويّر منوتي نايف الطول......ومكمّل الاوصاف حسن ولباقه

لماذا لم يذكر مع مَن أرسل القول إذ يبادر بالبيت التالي ليقول :

قلّه غيابك ســـاعة ٍ كــنّها حول..........والحول مع لقياك برهة وياقه
هل غيّب (المرسال ) قصداً أم أن هناك بيتاً مفقوداً بين هذه الأبيات ؟؟؟؟
وأود أن أشير للبيت الذي يقول :
وش لي بذهبان الدنانير واللول....... اللي لها الاجواد تلوي اعناقه

ففكرة (الأجواد ) الذين يلوون أعناقهم أمام المال جاءت قاسية (( رغم جماليتها )) وهذا يتبع لرؤية الشاعر في واقع القصيدة , بينما المتلقي يحبذ لو كانت : اللي لها الأنذال تلوي عناقه
لأن الساعي وراء المال في غربته أو في كدّه لا يلوي عنقه للمال رغم التعب والجهد والإهانة بل هو في صيغة الكد والعمل لتأمين اللقمة الحلال المجبولة بالعرق والدم فهو إذاَ من الأجواد الذين لا يساومون مقدساتهم بمال الدنيا كله , أما الذين يلوون أعناقهم أمام مغريات المال فليسوا من الأجواد ....
هكذا قرأت القصيدة التي بين أيدينا وأتمنى أن تعذروني إن أخطأت في شيء
تحية لبيرق الشعر العم ابو خالد