بشار أبو حمدان في محكمة شبيح

الأخوة الكرام : معنا قصيدة من روائع الشاعر الحبيب ابو تمام بشار أبو حمدان وهي فائزة بإحدى مراتب (مسابقة الخطلاء ) وأعتقد أنها لم تنل نصيبها الحق من التحكيم في المسابقة المذكورة هاهي الآن بين أيدي محكـّمي تلعة شبيح .... بعد خاطر ابو تمام .. (( عليهم النشاما )

(الزيف )

تزيّــنوا بـِحْــجار ســــــمّوه يـــاقــوت ... وقالـــوا جواهر بــه جمالٍ فريدي

مـــير الحــديد الــ يـنبني منـّه بيـــوت ... ليّــا عــزا يبقى بــنظرهم حــديدي

كــن القــلـــوب اللي بها الـود منحوت ... لا هـِـيْ ياقوتْ وْلا حــديده مفيدي

بـــه ميّـــتٍ يحـــيا وبــــه حي ٍ يموت ... به عبد سِـــيْد وبــه اســيادٍ عـبيدي

والصوت يعلا ويخفت وبلإسم صوت ... شمــــس ٍ قريبه بـالحقيقــه بعــيدي

الحوت مبطي والســمك ماكل الحوت ... وعود الحرث فوق الأصيله يجيدي

وثوب الســــلام بأحمر الــــدم ملتوت ... والعيد موت ومظهر الموت عـيدي

تظهر لنا الدنـــيا خــيوط العـَـنـْكـْبوت ... تنسج لنا من الهم قصرا ً مْـــشيدي

تهدي بــــه الطيْبين هـــندام وبشــوت ... كنـّـــه هـــدايــا العيد , كنه جديدي

وبيت الأسـى تـــابوت والهم تـــابوت ... والثوب أبيض والدهر مـــا يريدي


بشارأبو حمدان

الرحال

محاكمة قصيدة ( الزيف ) للشاعر بشار أبو حمدان

هذه القصيدة , من بديع ما كتب الشاعر بشار أبو حمدان , وقد أجزل فيها وأجاد , وقلـّدها الدررَ النفائس التي يتجلـّى بهاؤها في عشرة اشطر ٍ هي والله فكر الشاعر وأصغراه .
وأمرّ هنا لأبدي رأياً متواضعاً أشرح من خلاله كـُنـْهَ قراءتي للقصيدة :
لقد قدّم الشاعر عنواناً شاملاً لقضيةٍ مخيفة , تجدها في أكثر من صيغةٍ عبر مسيرة الخلق , فالزيف يا صاحبي يتبدّى في ثيابٍ خارجية , كما يتغلغل في ضمائرَ داخلية ٍ , كما يغيّر جوهر الكثير من المسَلـّمات , وقد افتتح شاعرنا قصيدته بعرض الزيف الخارجي عندما قال :

تزيّــنوا بـِحْــجار ســــــمّوه يـــاقــوت ... وقالـــوا جواهر بــه جمالٍ فريدي

ووضع البديل الصحيح لهذا الوضع عندما عالجه بالبيت الثاني :

مـــير الحــديد الــ يـنبني منـّه بيـــوت ... ليّــا عــزا يبقى بــنظرهم حــديدي

وكانت النقلة الخلابة في البيت الثالث حيث حرّك دفة القصيدة باتجاه الزيف الداخلي الذي طرحه لنا بكلمة (( القلوب )) وهذا الطرح يعكس لنا رؤية المجتمع الفاسد حصراً , فقد قدّم البيت بتورية لفظية مهمة عندما قال : ( كن القلوب .... ) , وكأنه يريد أن يقول : ( وا أسفاه على تلك القلوب الصادقة كيف يهمّشها المجتمع الزائف فلا يراها ياقوتاً ولا يجدها حديداً ) وبذلك يربط الشاعر بين نقطتي أساس في صورته الشعرية المنبثقة من ضوء البيتين الأول والثاني , وبين هذا البيت الحسّاس والمفصلي ....

ثم يتابع في البيت الرابع , متوغلاً في حالة هذه القلوب الصادقة التي أصبحت في حِلٍّ من أمرها , متخبّطةً بين تناقضات الوجود ( الموت والحياة , السيد والعبد ) وأنا شخصياً اقرأ هذا البيت بصيغةٍ تفضي إلى أن القلوب الصادقة تأخذ دورها الحق أيضاً في هذا التلاطم الضخم , فهي تكشف الحقيقة وتعرف الصالح والطالح َ , تعرف الميّت والحي والعبد والسيد , وهذا يعود بي إلى الشاعر الكبير اسماعيل العبد الله الذي يقول :

كم واحدٍ لو مات حيّت مكارمه ... وكم الف حيٍ ما عليه حساب

وهذه لعمري قلوبٌ لا يخدعها الزيف مهما كانت نظرة الناس لها ..............

ــ الأبيات ( 5و6و7 ) :

نجد فيهم أمثلةً واضحة لتقلـّب نفوس الناس وبصائرهم , والحقيقة أن شاعرنا جاء بأمثلةٍ صوَرٍ , تحمل من الدلالة ما يكفي سِفراً من الأمثال : (( الصوت , الشمس , الحوت , المحراث , الأصيل , السلام , الشر ,العيد , الموت ) وما أجمل الدلالة في لغة القصيدة وذلك عندما أشار للخير بـ ( الثوب الأبيض , ثوب السلام ) وعندما أشار للشر بلون الدم , هذا اللون الذي يلطخ ثوب السلام , وهنا أجد منحى جميل لتورية الشاعر حيث يرمي أيضاً لكيفية الحفاظ على هذا (الثوب السلام ) إذ أنه يحتاج إلى الدماء التي تذود عنه ليبقى مصاناً :
وللحرية الحمراء بابٌ ... بكل يدٍ مضرّجةٍ يدقُّ
وهذه قراءة أخرى للبيت , وهي أيضاً من إشكاليات الوجود........

ثم يبدأ شاعرُنا النهاية َ , في ملامح ٍ شاملة ٍ , عندما يقول / تظهـِر لنا الدنيا ... /
نعم هي الدنيا ... لقد حمّل الشاعر هذه الدنيا كل الإشكاليات التي قدّمها في أبياته السابقة وطبعاً هذه حتمية الوجود .......
ـــــــ تهدي به الطيبين ــــــــ ... ( به ) هنا عائدة في مضمونها على خيوط العنكبوت و ( الطيبين ) أخذت معنى الدراويش أكثر من معنى (( الطيب )) المتعارف عليه بالجود والصدق وما إلى ذلك , فجوهر البيتين الثامن والتاسع يعود إلى مطلع القصيدة وحصراً بيتها الأول :

تزيّــنوا بـِحْــجار ســــــمّوه يـــاقــوت ... وقالـــوا جواهر بــه جمالٍ فريدي

حيث يشير الشاعر بوضوح إلى أن الدنيا التي تـُظهر لنا خيوط العنكبوت وتنسج من خلالها قصوراً ( من الوهم ) إنما تهدي هذا النسيج إلى بسطاء الناس الذين يرونه لباساً .. فيا للدنيا البائسة الزائفة ويا للعيد المثقل بالهموم ويا للمخدوعين .

ــ البيت الأخير :

وقفت عنده مطوّلاً وبالذات عند عجز البيت (( والثوب أبيض )) .... هل يلمّح الشاعر بهذه الجملة إلى الكفن ؟؟؟ أم أنه يقصد صفاء السريرة وطهارة النفوس التي تبقى بعيدة عن منحى الزيف رغم الأسى والهم ورغم الموت ؟؟؟؟ أنا مع المعنى الثاني .

بالنسبة للناحية الفنية في القصيدة :

فقد أشار بعض الأخوة لموضوع التأنيث والتذكير الذي جاء على محملٍ واحد في البيت الأول , والحقيقة أن هذا المجاز موجود في الشعر العامي رغم انه ثقيل على المتلقي , ولكنه أصبحَ عُرفاً لدى الشعراء , فمثلاً نقرأ لشاعر ٍ يصف السماء وقد تلبّدت بالغيوم فيقول ( ... والسما اربَدّ ))
وكذلك بالنسبة لقافية القصيدة التي تأخذ المنحى ( القروي أو الحضري ) عندما تقول :
(( شمساً قريبة بالحقيقة بعيدي )) أو جديدي .. أو عندما تستخدم الهاء الضميرية واواً على مبدأ : (( ماله ومالي )) فتقول (( مالو ومالي )) ... وهذا (( حرد حضري )) كما يقال وهو مجاز وأنا شخصياً أحاول الابتعاد عنه رغم أنه يضطرني لاستخدامه في القافية ....
وأنا مع قراءة الأخ مجدي (( بين الهم والوهم )) والحقيقة أن مفردة الوهم تخدم وضوح الصورة وعمقها أكثر ........
هذا رأيٌ قد أكون مخطئاً أرجو المعذرة ..........